ناصية كاذبة خاطئة
في كتابه (وغداً عصر الإيمان) يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني بخصوص سورة العلق: كنت أقرأ دائما قول الله تعالى (كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة). والناصية هي مقدمة الرأس وكنت أسأل نفسي وأقول يارب اكشف لي هذا المعنى ..
لماذا قلت ناصية كاذبة خاطئة؟ وتفكرت فيها وبقيت أكثر من عشر سنوات وأنا في حيرة أرجع إلى كتب التفسير فأجد المفسرين يقولون : المراد ليست ناصية كاذبة وإنما المراد معنى مجازي وليس حقيقيا فالناصية هي مقدمة الرأس لذلك أطلق عليها صفة الكذب (في حين أن المقصود صاحبها) ..
واستمرت لدي الحيرة إلى ان يسر الله لي بحثا عن الناصية قدمه عالم كندي ( وكان ذلك في مؤتمر طبي عقد في القاهرة ) قال فيه : منذ خمسين سنة فقط تأكد لنا أن جزء المخ الذي تحت الجبهة مباشرة "الناصية" هو المسؤول عن الكذب والخطأ وانه مصدر اتخاذ القرارات . فلو قطع هذا الجزء من المخ الذي يقع تحت العظمة مباشرة فإن صاحبه لا تكون له إرادة مستقلة ولا يستطيع أن يختار ... ولأنها مكان الاختيار قال الله تعالى :(لنسفعا بالناصية) أي نأخذه ونحرقه بجريرته ...
وبعد أن تقدم العلم أشواطا وجدوا أن هذا الجزء من الناصية في الحيوانات ضعيف وصغير (بحيث لايملك القدرة على قيادتها وتوجيهها) وإلى هذا يشير المولى سبحانه وتعالى: (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) ... وجاء في الحديث الشريف : "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك". ولحكمة إلهية شرع الله أن تسجد هذه الناصية وأن تطأطئ له...
قام (Warwick & Williams, 1973) بدراسة التركيب التشريحي لمنطقة أعلي الجبهة فوجد أنها: تتكون من أحد عظام الجمجمة المسمي "العظم الجبهي" (Frontal bone) و هذا يقوم بحماية أحد فصوص المخ المسمي "الفص الجبهي أو الأمامي" (Frontal Lobe) .
و علي ذلك يمكننا أن نقول إن الفص الأمامي للمخ هو العضو المستتر وراء أعلي الجبهة. يحتوي المخ البشري علي خمسة مراكز عصبية، يوجد أحدها في القشرة الأمامية الجبهية (Pre-Frontal Cortex) و هي تمثل الجزء الأكبر من الفص الجبهي للمخ (Frontal Lobe) , و ترتبط وظيفتها بتكوين شخصية الفرد (Individual's Personality) ، كما أنها تعتبر مركزا علويا من مراكز التركيز و التفكير و الذاكرة، و تقوم بالتحكم في مشاعر الفرد بالإضافة إلي تأثيرها في المبادرة في اتخاذ القرار (Initiative) و التمييز (Judgment) .
هذه القشرة الأمامية الجبهية، تقع مباشرة خلف الجبهة، أي أنها تختفي في عمق الناصية، فتكون هذه القشرة هي الموجهة لبعض تصرفات الإنسان التي تنم عن شخصيته مثل الكذب و الصدق و الصواب... و هي أيضا التي تحث الإنسان علي المبادأة سواء بالخير أو بالشر.
ووجه الإعجاز في الآية:
هذه الآية نزلت في أبي جهل حين توعد النبي صلى الله عليه وسلم علي الصلاة عند البيت فتوعده الله تعالي بالأخذ بناصيته الكاذبة (في أقوالها و أفعالها) ، لذا فهي تستحق السفع و الصرع. و بعد التوضيح الذي ساقه البحث عن وظيفة القشرة الأمامية الجبهية، و التي تقع مباشرة خلف الجبهة، يتضح لنا سر التعبير القرآني حين وصف الناصية بأنها كاذبة، و هذا لأنها هي المركز المنظم لسلوك الفرد كما أنها هي المعبرة عن جوانب شخصيته صادقة كانت أو كاذبة.